بقلم الدكتور نضال ملو العين
من خلال اللقاءات والنقاشات الأخيرة حول الوضع الاقتصادي في الأردن، بدا واضحاً أن هناك تفاؤلاً واستقراراً نسبياً في الظروف المحيطة، لكن التساؤل الأكبر يظل حول مدى جاهزيتنا لإنشاء مشروع اقتصادي شامل ينهض بمختلف القطاعات.
ما أثار دهشتي في إحدى اللقاءات حول التحديات التي يواجها الاقتصاد الأردني، هو كلام أحد المسؤولين الاقتصاديين خلال لقاء جمعنا مع مسؤولين من احدى الدول الداعمة والمانحة للاردن، والذي أشار إلى حاجتنا للاستثمارات والتمويل، بل وحتى إلى “معجزة”، هذا التصريح أثار تساؤلاً عن دور المسؤول نفسه وخططه في مواجهة هذه التحديات، خاصة عندما ألقى بالمسؤولية على القطاع الخاص، معتبراً أنه القادر على تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي وهو “قادر على ذلك”، لكن يجب على الحكومة البدء فهذا دور الحكومة والمؤسسات الحكومية.
وكلنا يعلم أن رأس المال بطبيعته (جبان)، حيث يتطلب بيئة مستقرة ومؤشرات إيجابية للتحرك، ولكن كيف يمكن جذب الاستثمارات في ظل تصريحات تتحدث عن تراجع اقتصادي، وإعسار لدى الشركات، وتهديدات بالإغلاق؟ الاستثمار يحتاج إلى محفزات تبدأ من الحكومة نفسها عبر تنفيذ مشاريع تنموية وتخفيف البيروقراطية والإجراءات المعقدة.
من الأهمية بمكان أن تبدأ الحكومة بمشاريعها، ولو على نفقتها الخاصة، لتشجيع الاستثمارات وجذب رؤوس الأموال، التجارب الإقليمية تقدم دروساً مهمة؛ دول مجاورة مثل الخليج ومصر واجهت تحديات مشابهة لكنها تمكنت من تحقيق إنجازات اقتصادية ملموسة من خلال العمل المستمر وعدم الاستسلام للظروف.
في الأردن، لا تفتقر الحكومة إلى التوجيهات، فخطاب جلالة الملك ورؤى ولي العهد واضحة في تحويل التحديات إلى فرص، فإذا تمكنت المؤسسات الحكومية من تنفيذ حتى 30% من التطلعات الملكية، فإن ذلك سيشكل قفزة نوعية للاقتصاد.
وعندما نتحدث عن الداعمين والمستثمرين الدوليين، كما هو واضح في النقاشات مع سفراء الدول الصديقة، ينتظرون مننا أن تبدأ الحكومة بالعمل أولاً، فالقطاع الخاص يمكنه المساهمة بفعالية، لكن ذلك لن يحدث دون مؤشرات إيجابية وبيئة عمل محفزة.
على الحكومة أن تركز على تحسين الواقع الاقتصادي الداخلي، من خلال دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتطوير القطاع السياحي، وإعادة هيكلة البنية التحتية بما يلبي احتياجات الاستثمارات المستقبلية، كما أن عليها تعزيز التشبيك بين القطاعات الاقتصادية المختلفة للوصول إلى نتائج ملموسة.
ونؤكد انه مع التغيرات الإقليمية، أصبح الوضع المحيط بالأردن أكثر استقراراً نسبياً، مما يمنح فرصة للتحرك الاقتصادي بمعزل عن الظروف الخارجية، ولا شك ان إعادة الإعمار في غزة وسوريا ستوفر فرصاً كبيرة للأردن إذا ما تم تحضير القطاعات الاقتصادية بالشكل المطلوب لاستغلال هذه الفرص.
الوقت لا ينتظر، والاقتصاد الأردني بحاجة إلى خطة عملية واضحة ومحددة المدة، تتجاوز الخطابات والندوات، ونحتاج إلى رؤية استراتيجية تغطي مختلف السيناريوهات، وتضع الأردن على مسار مستدام نحو النمو الاقتصادي. الحكومة مطالبة بالتحرك الفوري، فالوقت لم يعد ترفاً يمكن إضاعته.
نسخ رابط الخبر: https://almoather.news/?p=48902