لا يزال الضجيج والارتباك والغضب مثاراً بقوة في الولايات المتحدة إثر تعليقات دونالد ترمب التي أدلى بها في ولاية أوهايو، السبت الماضي، والتي حذر فيها من حمام دم إذا خسر الانتخابات الرئاسية المقبلة، فقد وجدتها حملة الرئيس بايدن وكثير من وسائل الإعلام الليبرالية فرصة للهجوم على الرئيس السابق، فيما عبر ترمب عن سخطه وغضبه من العاصفة النارية التي وجهت ضده مبرراً تعليقه بأنه يرتبط بالآثار الاقتصادية على صناعة السيارات الأميركية، فما حقيقة ومغزى هذه التعليقات، ولماذا تثير كل هذه الضجة، وكيف تؤثر في مستقبل الصراع الانتخابي؟
لماذا يهم؟
فيما حصل ترمب خلال الانتخابات التمهيدية على ما يكفي من أعداد المندوبين الذين سيصوتون له في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في يوليو (تموز) المقبل ليصبح مرشح الحزب الرسمي للرئاسة بفضل دعم المحافظين، فإن قدرة الرئيس السابق على إقناع مجموعة أوسع من الناخبين بأنه قادر على قيادة الولايات المتحدة مرة أخرى هي مسألة أخرى، ولهذا ستكون كل كلمة ينطق بها ترمب من الآن وحتى يوم الانتخابات في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل محل تمحيص وتدقيق وجدل.
وما يزيد من أهمية كلماته أنه ما زال ينكر خسارته انتخابات 2020 ويواجه اتهامات بالتدخل في نتائج الانتخابات ويقنع مؤيديه بأن خسارته في الانتخابات ومعاركه القانونية هي جزء من مؤامرة يحيكها القادة في واشنطن وأماكن أخرى لقمع نفوذه، كما أعلن العام الماضي، أنه لن يلتزم بقبول نتائج انتخابات 2024، ولهذا تصبح تعليقاته في هذا السياق محل اهتمام كبير بخاصة من خصومه والإعلام الليبرالي الذين يحلو لهم وصف رئاسة ترمب بأنها تهديد للديمقراطية ويجدون في هذه التعليقات مادة خصبة لإثارة الجدل وسط معركة انتخابية هي الأشرس منذ عقود بعدما تحدد طرفاها في وقت مبكر عن أي موسم انتخابي آخر.
ماذا حدث؟
وفي هذا الإطار كان حديث ترمب في أوهايو، السبت الماضي، سبباً لتفجير الجدل من جديد وإثارة الارتباك خلال سعي الطرفين المتنافسين على جذب الناخبين المستقلين والمترددين، فقد أوضح المرشح الجمهوري المفترض خططه لوضع رسوم جمركية باهظة على السيارات الصينية المصنعة في المكسيك والمستوردة إلى الولايات المتحدة، متعهداً وضع تعرفة بنسبة 100 في المئة على كل سيارة يتم استيرادها إذا انتُخب، ثم قال “الآن، إذا لم يتم انتخابي، سيكون ذلك حمام دم للجميع، سيكون هذا أقل ما في الأمر، سيكون حمام دم للبلاد، هذا أقل ما يمكن”.
وسرعان ما انتقد معارضوه استخدامه تعبير “حمام الدم”، إذ انتقدت رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي تصريحاته وعبرت عن مخاوفها حول ما تعنيه هذه الكلمات للبلاد، وأصدرت حملة بايدن-هاريس بياناً، زعمت فيه أن ترمب يضاعف من تهديداته بالعنف السياسي وأنه يريد “6 يناير” آخر في إشارة إلى اقتحام أنصار ترمب مبنى الكابيتول في عام 2021 لمنع التصديق على آخر خطوة للتثبيت فوز الرئيس المنتخب.
لكن ترمب سخر من هذه الانتقادات. وقال في منشور على موقع تروث سوشيال “إن وسائل الإعلام والديمقراطيين تظاهروا بالصدمة من استخدامي لكلمة حمام دم، على رغم أنهم فهموا تماماً أنني كنت أشير ببساطة إلى الواردات التي سمح بها جو بايدن وتقتل صناعة السيارات”، مشيراً إلى أن “دفع بايدن لتفويض إنتاج السيارات الكهربائية، سيقضي قريباً على أي سيارات مصنوعة في الولايات المتحدة، إلا إذا تم انتخابي رئيساً، وفي هذه الحالة سيزدهر تصنيع السيارات بشكل لم يسبق له مثيل”.
وقدم بعض حلفاء ترمب ومؤيديه من الجمهوريين ردوداً مماثلة تشير إلى أن الرئيس السابق كان يتحدث عن حمام دم لصناعة السيارات، وانتقدوا وسائل الإعلام التي اتهموها بتحريف تعبيرات الرئيس السابق ومحاولة تشويه صورته.
ما المقصود؟
ومع ذلك، كان تسليط الضوء على ترمب فعالاً في تخويف قسم كبير من وسائل الإعلام والصحافة، حيث أجرت شبكة “سي أن أن” نقاشاً حول “ما كان يقصده”، معتبرة أن تصريحاته غامضة، فيما نشر موقع “بوليتيكو” عنواناً رئيساً يقول “متى لا يكون حمام الدم حمام دم؟”، ووضعت عديد من وسائل الإعلام في عناوينها حول تصريح ترمب عبارة “صناعة السيارات” مما أدى في الغالب إلى إضافة نوع من الارتباك.
غير أن عديداً من وسائل الإعلام اعتبرت أن تصريحات ترمب تحمل مغزى خطراً، واستخدمت قناة “أن بي سي نيوز” عنواناً مجرداً من سياق صناعة السيارات، وهو أن “ترمب يقول إنه سيكون هناك حمام دم إذا خسر الانتخابات”، كما استخدمت شبكة “سي بي أس نيوز” عنواناً مماثلاً. وحتى صحيفة “نيويورك تايمز” قدمت عنواناً رئيساً أعطى مزيداً من السياق عبر الربط بين وصف ترمب بعض المهاجرين بأنهم “ليسوا بشراً” وتوقعه بأنه سيكون هناك “حمام دم” إذا خسر الانتخابات.
المعنى الكامن
من ناحية، يبدو الأمر غير واضح، فغالباً ما استخدم ترمب جملة وسطى غير ذات صلة بخطابه، ولهذا يتناسب تعليقه “بحمام الدم” مع هذا النمط الجدلي، حيث يتجول ترمب ويعود إلى المواضيع على هواه، وقد تحدث في هذا الخطاب على وجه التحديد عن “حمام دم للبلد بأكمله” وإذا كان تعليقه يشير إلى تأثير انهيار صناعة السيارات في الولايات المتحدة لو لم يتم انتخابه رئيساً، فيمكن القول إن توصيل هذه المشاعر كان غير واضح.
وربما يمنح سياق المحادثة ترمب ومؤيديه، درجة من الإنكار المعقول لإبعاد المنتقدين، لكن المحامي جورج كونواي، أحد منتقدي الرئيس السابق، اعتبر على وسائل التواصل الاجتماعي أنه “سواء كان ترمب يشير إلى صناعة السيارات أم لا، فإن ما يهم هو استخدامه المستمر للغة مروعة وعنيفة بطريقة عشوائية نتيجة لما وصفه باعتلاله النفسي واستبداديته المرتبطة به”. وأضاف “أنها سمة كلاسيكية للاستبداديين، وهو يدمر كل شيء لإثارة مؤيديه وربطهم به، وجعلهم على استعداد لتنفيذ أوامره”.
اندبندنت عربي
نسخ رابط الخبر: https://almoather.news/?p=36703