استخدمت الولايات المتحدة الثلاثاء، حق النقض (الفيتو) مرة أخرى ضد مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي بشأن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة؛ مما عرقل المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية.
وأفشلت الولايات المتحدة مشروع القرار باستخدام “الفيتو” فيما حظي مشروع القرار بتأييد 13 دولة، وامتناع بريطانيا ومعارضة الولايات المتحدة.
وبدأ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة،الثلاثاء، في نيويورك اجتماعا جديدا حول القضية الفلسطينية.
ويدعو مشروع القرار الذي تقدمت به قبل أيام الجزائر؛ العضو غير الدائم في مجلس الأمن؛ إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة الذي يتعرض إلى عدوان إسرائيلي منذ السابع من أكتوبر الماضي وخلف أكثر من 29 ألف شهيد، وآلاف جريح معظمهم من النساء والأطفال.
ويأتي التصويت على مشروع هذا القرار، بعد ذلك الذي أصدرته محكمة العدل الدولية نهاية يناير الماضي ودعا إسرائيل لوقف استهداف المدنيين الفلسطينيين ومعاقبة المسؤولين الإسرائيليين الذين يحرضون على العنف، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة دون عوائق، وهو القرار الصادر كرد على الطلب الذي تقدمت به دولة جنوب إفريقيا التي تتهم إسرائيلي بارتكاب “جرائم إبادة جماعية” في قطاع غزة.
يتكون مجلس الأمن من 10 أعضاء منتخبين، و5 أعضاء دائمين وهم (الصين والولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة والاتحاد الروسي).
وقال السفير الجزائري لدى الأمم المتحدة عمار بن جامع قبل التصويت إن مشروع القرار كان نتاجا لمناقشات مستفيضة.
وأضاف أن المجلس “لا يمكن أن يكون سلبيا” في مواجهة ما يجري في غزة.
وتابع أنه “طوال هذه العملية، سمعنا دعوات لإعطاء الوقت لمسار موازٍ، مع إثارة مخاوف من أن أي إجراء من جانب المجلس من شأنه أن يعرض هذه الجهود للخطر، ولكن بعد مرور شهر تقريبا على صدور أوامر محكمة العدل الدولية، لا تزال بوادر الأمل غائبة بشأن تحسين الوضع في غزة”.
وأضاف أن الصمت ليس خيارا: “الآن هو وقت العمل ووقت الحقيقة”.
من جانبه المراقب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة رياض منصور، قال إن استخدام حق النقض ضد مشروع القرار هذا ليس أمرا مؤسفا فحسب، وإنما أيضا هو “أمر متهور وخطير للغاية، فهو يحمي إسرائيل مرة أخرى حتى عندما ترتكب أكثر الجرائم إثارة للصدمة، بينما يعرض الملايين من المدنيين الفلسطينيين الأبرياء لغضبها والمزيد من الفظائع التي لا توصف”.
وأضاف أن إسرائيل ليست هي من ينبغي أن تحظى بحماية حق النقض، بل الأطفال والنساء والرجال الفلسطينيين هم الذين يجب أن يتمتعوا بالحماية من خلال تحرك هذا المجلس الآن.
وأكد أنه فقط من خلال وقف إطلاق النار “يمكننا أن نعطي فرصة للحياة”، ولتنفيذ قراري مجلس الأمن 2712 و2720، ولوصول المساعدة الإنسانية إلى الملايين من الأشخاص اليائسين المحتاجين، وللسماح للأونروا ووكالات الأمم المتحدة الأخرى لإيصال المساعدات المنقذة للحياة.
وشدد على أنه بدون وقف إطلاق النار، “لن تنتهي أي من الفظائع، وستستمر إسرائيل في نشر الموت والدمار والخراب”.
ونبه منصور إلى أن مجلس الأمن، بفشله في المطالبة بوقف إطلاق النار، “فإنه لن يعتبر مقصرا في أداء واجباته فحسب، بل سيعتبر أيضا عاملا في تمكين ارتكاب أفظع الجرائم التي نشهدها في هذه الأيام في غزة”.
وقال منصور إن “هذا الفيتو لا يعفي إسرائيل من التزاماتها ولا من يحميها، لا في مجلس الأمن، أو في محكمة العدل الدولية، أو في أي مكان آخر، مضيفا أنه “حتى لو استمر مجلس الأمن في التنصل من مسؤولياته، وعرقلته بحق النقض الذي يمارسه عضو دائم مرارا، فإن الأجهزة الأخرى في النظام الدولي تتمسك بمسؤولياتها. وفي يوم أو آخر، لن يُنظر إلى الأطفال الفلسطينيين على أنهم تهديد ديمغرافي، ولكن كأطفال لهم الحق في الحياة وتحقيق آمالهم وأحلامهم”.
من جهته عبر مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة أسامة عبد الخالق عن إحباط وخيبة أمل وفد بلاده إزاء ما وصفه باستمرار عرقلة الولايات المتحدة الأميركية لمساعي وقف إطلاق، مناشدا مجلس الأمن وكل القوى الدولية المسؤولة “إنقاذ خيار السلام عبر الإنفاذ الفوري لوقف إطلاق النار”.
وقال عبد الخالق إن بلاده “ستظل ملتزمة بالعمل المضني والمتواصل لإيقاف نزيف الدماء والحرب المدمرة” لاستعادة الأفق السياسي لتحقيق آمال الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي في الأمن والاستقرار وفقا لقرارات الشرعية الدولية وإنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وأكد أن بلاده تتفاوض وتتوسط بمنتهى الجدية مع كل من الولايات المتحدة وقطر وإسرائيل والجانب الفلسطيني “لسرعة إطلاق سراح المحتجزين والأسرى الفلسطينيين وسرعة دفع المساعدات الإنسانية بأقصى سرعة وبأكبر قدر ممكن لإنهاء الوضع الإنساني الكارثي في غزة، ولإنقاذ الفلسطينيين من الحصار الجائر المفروض عليهم من سلطات الاحتلال الإسرائيلي والتصدي لكل المحاولات الإسرائيلية لفرض التهجير القسري على الشعب الفلسطيني بهدف تصفية قضيته النبيلة”.
وشدد على أن وقف إطلاق النار لن يعرقل جهود الوساطة الجارية، بل سيتيح لها الظروف المناسبة لتنجح، قائلا “دعونا نتفاوض ونتوسط وسط انسياب المساعدات الإنسانية واستعادة الهدوء وتضميد جراح المصابين خاصة الأطفال اليتامى والنساء الثكلى، بدلا من أن نتفاوض وسط الدمار والخراب الذي تخلفه آلة الحرب الإسرائيلية المدمرة”.
وحذر من المخاطر الكارثية المحدقة بالفلسطينيين جراء الخطط الإسرائيلية المعلنة لاقتحام مدينة رفح، فضلا عن استمرار تدهور الوضع الإقليمي جراء استمرار “هذه الحرب المدمرة”.
وأعربت مندوبة قطر الدائمة لدى الأمم المتحدة، السفيرة علياء أحمد بن سيف آل ثاني، متحدثة باسم دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، عن أسفها لفشل مجلس الأمن في اعتماد مشروع القرار المقدم من الجزائر والمدعوم من المجموعة العربية، “وتؤيده الأغلبية الساحقة من أعضاء المجلس، لأنه مشروع قرار إنساني في مضمونه ويتسق مع القانوني الدولي الإنساني”.
وأضافت “ستستمر دولنا في جهودها في العمل مع الشركاء… لضمان الوصول إلى وقف إطلاق نار إنساني في قطاع غزة، حقنا لدماء أشقائنا الفلسطينيين في القطاع ولضمان وصول المزيد من المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى القطاع وحماية المدنيين”.
من جهتها، قالت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد إنه من الواضح أن “مشروع القرار الذي عُرض على المجلس، لن يحقق هدف السلام المستدام بل قد يتعارض مع ذلك”. وأضافت أن “المضي قدما في التصويت اليوم كان مجرد تمنيات وغير مسؤول”.
وأشارت إلى أن مشروع القرار الأميركي الذي من المتوقع أن يُعرض للتصويت لاحقا أمام المجلس “بينما لا يمكننا دعم قرار من شأنه أن يعرض المفاوضات الحساسة للخطر، فإننا نتطلع إلى المشاركة في نص (مشروع قرار) نعتقد أنه سيعالج الكثير من المخاوف التي نشترك فيها جميعا، وهو نص يمكن، وينبغي أن يعتمده المجلس بحيث يمكننا التوصل إلى وقف مؤقت لإطلاق النار في أقرب وقت ممكن بناء على صيغة تتضمن إطلاق سراح جميع المحتجزين”.
وأكدت أن وقف إطلاق النار المؤقت هذا أمر بالغ الأهمية لإيصال المساعدات إلى المدنيين الفلسطينيين الذين هم في أمس الحاجة إليها.
من جانبه، أعرب الممثل الدائم للصين لدى الأمم المتحدة جانغ جون عن خيبة أمل بلاده، وعدم رضاها بشأن نتيجة التصويت.
وقال، إن ما دعا إليه مشروع القرار المقدم من الجزائر نيابة عن مجموعة الدول العربية، قائم على أدنى متطلبات الإنسانية، وكان يستحق دعم جميع أعضاء المجلس.
وأضاف أن نتيجة التصويت تظهر بشكل جلي أن المشكلة تتمثل في استخدام الولايات المتحدة للفيتو الذي يحول دون تحقيق إجماع في المجلس.
وبين أن الفيتو الأميركي يوجه رسالة خاطئة تدفع الوضع في غزة إلى أوضاع أكثر خطورة.
كما رفض ما وصفه بالادعاء بأن مشروع القرار يقوض المفاوضات الجارية لإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين، قائلا “بالنظر إلى الوضع على الأرض؛ فإن استمرار التجنب السلبي للوقف الفوري لإطلاق النار لا يختلف عن منح الضوء الأخضر لاستمرار القتل”.
من جهته قال السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا إن “الولايات المتحدة تسعى إلى التستر على أقرب حليف لها في الشرق الأوسط وكسب الوقت حتى يتمكن من استكمال خططه غير الإنسانية في غزة لإخراج الفلسطينيين من القطاع وتطهيره بشكل كامل”.
وأضاف أن المسؤولية الكاملة عن العواقب تقع على عاتق واشنطن، مهما حاولت الولايات المتحدة “التهرب منها من خلال الحديث عن جهود الوساطة المهمة” التي تقوم بها.
وتابع “نحن لسنا في وضع يسمح لنا بالاستسلام”، مضيفا أن مطالبة المجلس للأطراف بوقف فوري لإطلاق النار تظل ضرورة حتمية.
المملكة
نسخ رابط الخبر: https://almoather.news/?p=34758