بقلم: عبدالرحيم العرجان
الارض السواد،،، جبل قرمة سجل البشرية الاول وارض الماء وحكاية البادي بوادي راجل.
قلعة الازرق
باب حجري ضخم تعبر منه لحصن منيع شيدت من حجر البازلت الأسود جمع بين أسواره حكايات الممالك والحكام و السلاطين لمن استوطن وعاش على الأرض بمعمار تراكمي لحقب مختلفة من العصور ، فالبناء الروماني الاول اختلف بمن ارسى قواعد عمارته ما بين الامبرطور سفروس او ديوكليتيان ٢٨٢ م حينما اختاروا المكان لوفرة العيون واشرافه على طريق التجارة..
و قد سكنها بعدهم في زمن الأمويين الوليد بن يزيد منشغلا وحاشيته باللهو والترف هناك سنة ١٢٥ هـ ، تلاه الايوبيين بعد ان طمسوا كل اشاره فيها لبني اميه تاركين نقش يخلدهم فوق المدخل الوحيد وعلاه امر البناء من السلطان
عز الدين ايبك ٦٣٤ هـ.
موقع ذو شأن عظيم فقد ذكر بكتاب الاغاني للاصفاني وزارها من الرحالة والمسشترقين سيلا ميرل ١٨٨١ م واصفاً مرافقها وما فيها من تحصينات وابراج يصعب اختراقها لتكون بذلك مركز رئيسي لقيادة الثوره العربيه الكبرى لتكاملها من اسطبلات خيل وقاعات للجند ومسجد ومخازن مؤن وعتاد، فاتخذ من برجها الجنوبي المنيع الضابط البريطاني لورنس مقراً لعملياتة ١٩١٨ م .
كانت نقطة انطلاقنا من هناك مع مجموعة أمجد غانم للدفع الرباعي متجهين نحو الشرق عبر مزارع على مد البصر من زيتون ولوزيات وما جادت به الارض من قثاء وخيرات المواسم، وقد دونت ذلك الجمال الرحالة ” ملكة الصحراء” جيرترود بيل بيوميات رحلتها الى عاصمة الرشيد ١٩٠٥ م ، لنصل بعد ٣٠ كلم لبداية مسيرنا الراجل لجبل قرمه التاريخي.
جبل قرمه..
جبل اسود سمي بهذا الاسم لتشابه شكلة بقرمية الحطب حين كان يجوب السماء الطيار الانجليزي ماتلاند ١٩٢٨ م ويوثقها بالصور المحفوظه بجامعة اكسفورد حتى اليوم، فمن القاعده لا تستطيع أن ترى أي أثر او وجود لحياة قد كانت هناك، وعبر حجارة البازلت المستوجب الحذر بالمسير سلكنا طريقنا نحو الجبل بفارق ارتفاع ٦٠ متر لتكون الدهشة بانتظارنا على قمته لما وجدناه من رسوم ونقوش وثقها اجدادنا الاولين على صفاء الصخر كالسجل والبالغ تعدادها ٥٠٠٠ آلاف نقش حسب الدراسات العلمية ، مجسدين ما كان يعيش فيها من حيوانات كالغزلان وخيل وجمال بسنام وسنامين ونعام وكلاب وضفادع وغيرها، ورسوم مشاهد لحياتهم وادواتهم تشعرك بالسعادة فكانت طاقة الفرح لا زالت بالمكان والذي يعج بكتابات ثمودية ولحيانية والبدايات الاولى للحروف العربية ورسوم صفائية مجردة بفطرتها والتي ألهمت العديد من الفنانين لرسم لوحاتهم أمثال
روان العدوان التي كشفت عن ذلك بمعارضها في الاردن واوروبا حيث تقيم هناك ليكون بذلك فن معاصر ، وبعض اعمال الفنان الرائد د. علي الغول، وان نظرنا اليها من حيث مبادىء الفن ومقايس الجمال نجد ان من قام بها كان على درجة عالية من الاحترافية بالتجسيد والتكوين ونسب الواقعية مع انه استخدم تقنيات الحفر الغائر على الحجر الاصم بادوات بدائية وصعبة الاستخدام فالخطأ هنا لا يمكن تعديله بل يشوه العمل، وتوارث هذا الاسلوب الفني المبسط الكثير من المبدعين منهم الفنان المصري الرائد د. حامد ندى، واجمع عليها الباحثين ومفكرين الفن التشكيلي بمراجعهم ، و قد أدرجت النقوش ضمن مادة تاريخ الفن فقد يكون يوما ان جرى تعميمة مقصداً لطلبة كلية الفنون كما هو لطلبة التاريخ والآثار.
وفي عام ٢٠١٩ م كشفت فيه التنقيبات الهولندية بقيادة جامعة ليدن ودائرة الاثار العامة عن مقابر تاريخية “كيرنز” تعود الى ٤٠٠٠ آلاف عام خلت مسلطين الضوء عليها عبر ما تناقلتة وسائل الاعلام عن تاريخ التواجد البشري هناك تحت اسم ” أرض النار الميتة” ونرى انه ينطبق عليه كامل شروط اليونسكو للإرث الانساني العالمي لحمايته والاهتمام به ، ووسط تلك الحجارة صادفنا زوج من افعى ابو السيور الجبلي المحدود السمية سرعان ما اختفى، اطلق عليها هذا الاسم لوجود حزم من الخطوط المتصلة الطويلة على جسدها، وهذا لا يعني ان المكان خالي من غيرها الشديد السمية، ولتفادي ذلك فضّلنا ارتداء واقيات الساقين.
عبرنا التلال وقيعان الماء الجافه و التي تعود بتشكلها الجيولوجي لفترة الثوران البركاني بفترة الميوسين ومسطح الماء الكبير بعصر البلابستوسين مرت بتقلبات مناخيه تشد الباحثين. اتخذنا مسارا مشمسا و مرسوم باحترافية حاملين كفايتنا من ماء واحتياجات الطريق نحو وادي راجل.
وادي راجل
سمي بذلك لانة يترجل بسلاسة من جبل العرب حاملا خير السماء من الشقيقه سوريا نحو الازرق بطول يبلغ 170 كلم بعد ان يمر بجاوا احدى اقدم المدن المحصنة بالتاريخ، والمعروف بقصص التراث وحكاية البادية ونظم بجماله قصائد وسِرد فيه الحكايات، ومما شاهدناه نبات القيصوم والشيح والحرمل المنظم للدورة الشهرية واضطرابات الحيض والمعزز لافرازات الحليب للمرضعات والرتم والجعدة والبابونج بزهرته الصفراء خير شفاء للغثيان والاسهال اما زيتها ففيه علاج لارتخاء العضلات.
لنكمل مسارنا نحو سد راجل الترابي المنشاء حديثاً لغاية تعزيز المياه الجوفية ورافداً لسقاية الماشية والدوران حول مسطحه المائي الهائل بقدرة تجميعية تتجاوز الثلاثة مليون متر مكتب مشكلا واحده من الواحات المائيه وسط الجبال و التي تجذب أعدادا كبيره من الطيور المهاجره وموئلاً للباز والرخمة المصرية وغيرها.
ومن دخان القدور المنبعث من بين الشجيرات ورائحة الطعام الزكي المثير لشهيتنا بعد مسير 18 كلم استدلينا على موقع مرافقينا من مجموعة رحالة الدفع الرباعي ومخيمنا الذي اتخذوه بعيدا عن النباتات تحاشيا للافاعي وما تحت الحجارة من عقارب، والاستمتاع بالغروب وانعكاسه على صفحة الماء و الحجاره السوداء.
وفي الليل جاد علينا أحد أبناء المنطقه بحديث الباديه و سيرة بني هلال و تغريبتهم بروايه مشوقه جمعت بين نبرة الصوت و لغة الجسد وقصة الوادي حين كان موئلا للكواسر ، فآخر ما شوهد من اسودها كان قبل مائة عام، وما سمعناه حين خيم الظلام من عواء ذئاب ووحاء ابن اوى ، وان ترصدت بالمكان قد تصدف الوشق آخر الليل.
نسخ رابط الخبر: https://almoather.news/?p=1511