أيام معدودات ومباركات نزل فيها القرآن ويُنصح باغتنامها في طاعة الله، والتقرب إليه، وتهذيب للنفس، وتدريبها على الصبر دون الانتقاص من أي شأن من شؤون الحياة الأخرى كالسعي في طلب الرزق والوجب الوظيفي باعتباره أمانة ينبغي أن تؤدى على وجهها الأكمل، فبذلك تتكامل المعادلة الايمانية.
وبين داعٍ لانتهاز هذا الموسم الايماني ومحذر من المبالغة في السهر حتى صلاة الفجر، ما ينعكس إجهادا على جسم الصائم واضطرابا في نفسيته ومن ثم تراجع التركيز سواء على مستوى التعبد أو العمل، تبرز أهمية مبدأ “لا إفراط ولا تفريط”.
فشهر رمضان المبارك جاء تنقية للروح والجسد من متاعب الحياة اليومية ورتابتها، ولا بد من استغلاله في الطاعات، بعيدا عن كل ما يضر بصحة الجسم، كالسهر الزائد الذي “يؤدي إلى استنزاف للطاقة، وهدر الإنتاجية وفقدان التركيز، فضلا عن ازدياد خطر الإصابة بأمراض القلب والشرايين والسرطان وزيادة الوزن والسمنة”.
وكانت الحكومة أخذت بالاعتبار متطلبات الشهر الكريم من السهر والتعبد وصلاة التراويح والقيام ومن ثم الاستيقاظ للسحور ومن أجل ذلك أخرت بدء العمل حتى الساعة العاشرة صباحا كي يستعيد جسم الموظف لياقته الطبيعية خلال أداء عمله.
لكن وفي مقابل الغالبية العظمى من الموظفين الذين يحافظون على أمانة العمل كما يحافظون على أمانة الصيام، رصدت وكالة الأنباء الأردنية (بترا) آراء المتخصصين بأن يكون النوم طبيعيا وعدم السهر لساعات طويلة لأن ساعات النوم في الليل مهمة جدا، فكل تأخير في النوم ليلا يؤثر على العمل والانتاجية نهارا، وهذا يخالف المبدأ الذي فرض من أجله الصيام.
استشاري طب الأسرة الدكتور عثمان بني يونس، يؤكد لـ (بترا) أن النوم في الليل تحديدا لا يعدله ولا يفي به النوم في النهار وتحت الضوء، لأن لجسم الإنسان نظاما هرمونيا عصبيا دقيقا مرتبطا بالنوم واليقظة وبالضوء والظلمة أيضا، ومثال على ذلك انتظام أو تذبذب إفراز هرمونات الكورتيزون والميلاتونين والأدرينالين وغيرها.
ويستدرك بني يونس وهو أستاذ طب الأسرة في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية حديثه قائلا: إن الإنسان يحتاج في المتوسط إلى 7 ساعات نوم كل ليلة، وتزداد هذه المدة عند الأطفال وتقل للأكبر سنا، مشيرا إلى أنه وخلال شهر رمضان تتغير مواعيد النوم؛ إذ ينامون ساعات طويلة في النهار ويسهرون وقتا أطول، والبعض يسهر حتى الفجر.
ويبين في هذا الصدد أن لطول السهر وقلة النوم ليلا تأثيرا سلبيا بالغا على صحة الإنسان، إذ ان كثيرا من الدراسات العلمية تشير إلى الكثير من الأمراض والاضطرابات الجسدية والنفسية مثل الإصابة بأمراض القلب والشرايين وارتفاع ضغط الدم الشرياني والجلطات القلبية والدماغية.
ويوضح أن طول السهر وقلة النوم من مسببات الصداع النصفي والصداع التوتري لدى الناس، وكذلك القلق والاكتئاب وغيرها من الأمراض العصبية، لأن السهر لأوقات طويلة يؤدي إلى نقص إفراز هرمون الميلاتونين والسيراتونين، ونقص هذه الهرمونات يؤدي إلى الاضطرابات الذهنية والنفسية وأهمها سيطرة الأفكار التشاؤمية ومكابدة القلق.
ويلفت الى أن قلة النوم تؤدي ضعف وهشاشة العظام بسبب الجلوس لأوقات طويلة وقلة الحركة، بالإضافة إلى حدوث تشنجات عضلية وآلام أسفل الظهر وانحناء العمود الفقري -وبخاصة لدى الأطفال -وظهور أعراض الشيخوخة المبكرة على الإنسان، أما بالنسبة للطلبة فيؤدي السهر الكثير الى تراجع التركيز والقدرة على الحفظ والفهم.
وينصح بني يونس بتحديد موعد ثابت للنوم يوميا حتى في أيام العطل، إضافة إلى تقليل مدة القيلولة في النهار لتكون من نصف ساعة إلى ساعة على الأكثر، لافتا الى أن أفضل وقت للنوم يكون بعد تناول طعام الإفطار بساعتين والاستيقاظ مجددا لتناول وجبة السحور وأداء صلاة الفجر، دون التقليل من أهمية تنظيم الغذاء والاعتدال بتناوله.
مديرة مركز الملكة رانيا العبدالله للدراسات التربوية والنفسية ورئيسة قسم علم النفس في جامعة مؤتة الدكتورة وجدان الكركي، تبين أن رمضان يمثل فرصة مثالية لتعزيز الصحة النفسية والعقلية والروحية وتعزيز العلاقات الاجتماعية، ما يتطلب استغلال الوقت في هذا الشهر الفضيل استغلالا أمثل.
وأشارت إلى أن تنظيم تناول الطعام من خلال الصوم ينبغي أن يتواءم مع تنظيم أوقات النوم، إذ ينبغي النوم في وقت مبكر بعد أداء صلاة العشاء وقيام الليل لأن المناعة الجسدية تتعزز أثناء النوم ليلا من خلال إفراز هرمون الميلاتونين الذي تفرزه الغدة النخامية في النوم وتحديدا في الظلام، ولهذا يعطل السهر لساعات متأخرة إفراز الميلاتونين من هذه الغدة ما يضعف المناعة ويصبح الجسم عرضة للأمراض تبعا للاستعداد البيولوجي والوراثي للجسم.
وتلفت الكركي إلى أهمية النوم لعدد كاف من الساعات للحفاظ على صحة الجسم وقوته والقدرة على متابعة العمل والصوم تحقيقا للأهداف السامية لهذا الشهر الفضيل، وتنقية للروح والجسد من متاعب الحياة اليومية ورتابتها.
استشاري الأمراض الصدرية والتنفسية والعناية الحثيثة وأمراض النوم، الدكتور محمد حسن الطراونة يقول، إن النوم هو مرحلة مهمة من مراحل الحياة البشرية، فعند النوم يتوقف الإحساس بالمحيط الخارجي، ويبدأ الإنسان بالانتقال من مرحلة اليقظة الى مرحلة النوم، أو ما يسمى بالدورة النومية .
ويوضح أن الإنسان يحتاج من4 إلى 5 دورات يومية في الليلة، وتستمر الدورة النومية من90 إلى 120 دقيقة، ذلك أن النوم مرتبط بالتناغم بين الليل والنهار، وكمية الضوء المحيطة والمرتبطة بإفرازات هرمون الميلاتونين، الذي يفرز من الغدة الصنوبرية.
ويشير الطراونة إلى أن هرمون الميلاتونين، يبدأ بالنشاط بعد غياب الشمس؛ نتيجة انخفاض كمية الضوء المحيطة، وتكون ذروته ما بين الحادية عشرة ليلا وحتى الساعة الخامسة صباحا.
ويضيف الطراونة: عند البدء بإفرازات هذا الهرمون وحتى بلوغ الذروة، يبدأ الجسم بتحضير نفسه للدخول في النوم، من خلال انخفاض في درجة الحرارة وتباطؤ في النبض وانخفاض في ضغط الدم ويبدأ ما يسمى”بالنعاس”، مشددا على ضرورة عدم مقاومة النعاس، لأن النعاس يعتبر أهم مرحلة تساعدنا في الخلود للنوم.
وبالنسبة لمن يطيلون السهر حتى السحور وينامون في النهار يشير الدكتور الطراونة الى أن ذلك يسبب اضطرابا بالساعة البيولوجية وقد يستمر هذا الاضطراب الى ما بعد انتهاء الشهر الفضيل، في حين يتسبب عدم أخذ القسط الكافي من الراحة والنوم، الى انخفاض تركيز الأجسام المضادة ويصبح الجسم عرضة أكثر للإصابة بالأمراض.
استشاري الطب النفسي الدكتور محمد شعبان، يبين أنه لا فرق بين السهر في رمضان أو أشهر السنة الأخرى إلا إذا كان من أجل العبادة واستغلال أيام هذا الشهر الفضيل للحصول على مزيد من الأجر، فهي محددة وتنتهي مع نهاية شهر رمضان، أما السهر الذي هو موضوع حديثنا فهو المتكرر والمستمر والذي أصبح جزءا من نظام حياة بعضهم.
ويعرف شعبان السهر، بأنه تأخير وقت النوم إلى ساعات متأخرة من الليل، وهو من العادات السيئة التي يتبعها الكثيرون خاصة إذا كان بلا هدف، لافتا الى أن السهر بلا مبرر معقول يتحول لنظام حياتي ليصبح الليل بديلا عن النهار والعكس صحيح.
وتطرق شعبان إلى أضرار السهر ومخاطره على الفرد، إذ يشعر حينها بالنعاس المفرط في أثناء النهار وفي أوقات العمل، والصعوبة في النوم أو النوم لمدة طويلة، ونقص الطاقة، والصعوبة في التركيز، والصداع، وسوء المزاج والعصبية، وأخطاء وإصابات العمل، والحوادث المتعلقة بالقيادة.
وشدد على أن النوم الصحي له دور إيجابي في تقليل مشاعر الإحباط والقلق والاكتئاب، ويعزز القدرات المعرفية، ويساعد على التركيز والتفكير الايجابي، وتقليل مخاطر الإصابات والحوادث.
ويشير أستاذ الحديث الشريف وعلومه ورئيس قسم أصول الدين في كلية الدعوة وأصول الدين في جامعة العلوم الإسلامية العالمية الدكتور أمين عمر دغمش، إلى فضائل شهر رمضان المبارك، فيه تفتح أبواب السماء، وغفران الذنوب، كما أنه شهر الخيرات، الأمر الذي يوجب على المسلم أن يجتهد في هذا الشهر بالطاعات والقربات كقراءة القرآن، وقيام الليل، ومدارسة القرآن الكريم، وتقديم يد العون والمساعدة للمحتاجين والفقراء، وتفريج الكربات عنهم.
وأشار إلى ضرورة اغتنام هذه الأيام المباركة من شهر رمضان، فعامل الزمن مهم في حياة الإنسان المسلم؛ فعمر الإنسان هو مجموع هذه الأيام ورأس ماله، ويجب عليه أن يستثمر كل لحظة منها في طاعة الله، والتقرب إليه.
وبالرجوع إلى سيرة النبي صلى الله عليه وسلم كان يقضي ليله في القيام، وقضاء حوائج المسلمين، وتعليمهم أمور الدين، روى ابن أبي شيبة عن عمر، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمر عند أبي بكر الليلة ذلك في الأمر من أمور المسلمين، وأنا معه وأنه سمر عنده ذات ليلة، وأنا معه. وكذلك الصحابة كانوا يحيون الليل في العلم، والتعلم”.
وينصح دغمش بعدم إطالة السهر، وتضييع هذه الأوقات فيما لا نفع فيه كالمسلسلات والبرامج التلفزيونية الهابطة، فقد كره النبي -صلى الله عليه وسلم – السهر بعد صلاة العشاء، وروى الإمام أحمد في المسند عن عبد الله مسعود، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ” لا سمر بعد الصلاة -يعني: العشاء الآخرة، إلا لأحد رجلين: مصل، أو مسافر، ففي هذا الحديث بيان كراهة السهر إلا إذا كان في صلاة، أو تعليما، أو في مصلحة من مصالح المسلمين.
وأضاف، إن من العادات السيئة التي جرى عليها بعض المسلمين في هذا الشهر، السهر طيلة الليل، وفي هذا تضييع لصلاة الفجر؛ وذلك بالنوم عنها، وترك قيام الليل، والكسل في النهار عن أداء الواجبات والطاعات.
–(بترا)
نسخ رابط الخبر: https://almoather.news/?p=1194