المؤثر – من بين الأعمال الدرامية المعروضة في الموسم الرمضاني 2023، يبرز اسم مسلسل “الزند: ذئب العاصي”. قد يبدو العمل متماسكاً وقوياً، لكن إذا غصنا في تفاصيله، نبدأ في التقاط العيوب والهفوات، والملاحظات التي لن يلتقطها المشاهد بعد إفطار شهي، ولا من يشاهد من أجل المتعة فقط.
العمل من إخراج سامر البرقاوي وكتابة عمر أبو سعدى، وبطولة تيم حسن ونانسي الخوري وفايز قزق وجرجس جبارة ودانا مارديني ورهان القصار وفيلدا سمور وباسل حيدر ونهال الخطيب وأنس طيارة، ومجموعة من الممثلين.
القصة
تبدأ أحداث العمل برواية قصة والد عاصي الزند، الذي كان يسعى إلى تسجيل ملكية أرضه الزراعية لأبنائه في “الطابو”، لضمان عدم الاستيلاء عليها من قبل نورس باشا (أنس طيارة)، الذي كان يستولي على أراضي السكان في المناطق الساحلية بسوريا إبان الحكم العثماني.
يرسل الباشا أحد رجاله واسمه إدريس إلى بيت والد عاصي من أجل الحصول على “الطابو” ليستولي على الأرض، وبسبب مقاومته له قام إدريس بقتل والد عاصي، الذي حاول بدوره أن يقتل إدريس من خلال ضربه بالسكين في عينه والهرب.
بعد مرور نحو عقدين من الزمن، يعود عاصي، الذي يؤدي دوره تيم حسن إلى قريته، من أجل الانتقام لوالده بعد انتهاء أداء خدمته العسكرية، ومن أجل لقاء شقيقته، وهي الوحيدة المتبقية من أسرتها بعد وفاة والديها، لتروي له ما عانته في غيابه.
تتطور أحداث العمل، وتتشعب تفاصيله بعد ذلك، من مواجهة إلى أخرى، وتأسيس فرقة من الثوار في وجه الاقطاعية، إلى مساعدة الأهالي والوقوع في الحب وقتال رجال السلطنة العثمانية، وسرقة البنك المركزي، والثأر.
وفي كل الأحداث، يكون تيم حسن الذي خرج أخيراً من عباءة مسلسل “الهيبة” وأجزائه الطويلة، المحور والركن الأساس في كل شاردة وواردة. يحاول العمل أن يكون تاريخياً حول شاب استطاع التعامل مع الجو الإقطاعي الذي كان سائداً في تلك الفترة الزمنية (نهاية القرن الـ19).
وتجري أحداثه باللهجة “الساحلية” السورية المميزة التي ينتمي إليها تيم حسن، لكن المشكلة أن هذه اللهجة لم تكن مفهومة أحياناً وبحاجة إلى شرح بعض مفرداتها، كما كان يحصل مثلاً في “ضيعة ضايعة”.
تشابه
فكرة العمل ليست بجديدة، كثير من الأعمال تحت مظلة “البيئة الشامية، قدمت البطل الشعبي أو القائد الشجاع الذي تمرد على العثمانيين أو الفرنسيين، ومثال على ذلك مسلسل “الثريا” (إخراج هيثم حقي – 1997) الذي يرصد حياة أسرة باشا من أصول تركية (خالد تاجا) عشية وصبيحة خروج العثمانيين من سورية ومن ثم دخول الفرنسيين.
ويعتبر العمل ملحمة عن البطولة الفردية والعشق، حول قصة حب نادرة بين ثريا، ابنة الباشا (سوزان نجم الدين) وعكاش، أحد قطاع الطرق المناوئين للأتراك (جمال سليمان)، كما يرصد أيضاً بدايات التنوير في المجتمع.
اللافت في “الزند”، أنه يعيد توليفة البطل الشعبي، إنما بطريقة عصرية وتقنيات حديثة من حيث التصوير والإضاءة والرؤية الإخراجية والدعم الإنتاجي.
تبدأ مشكلات العمل بعد الحلقة الأولى، فبعد انطلاقة لافتة جداً وقوية جداً، تتوه من المشاهد الحبكة الدرامية، وتبدأ الأحداث التي لا حاجة لها كمشهد الحفلة الذي ظهر فجأة، وتطرد في ختامها نجاة (دانا مارديني).
وتظهر هنا بوضوح لعنة المسلسلات الرمضانية، التي يجب أن تنافس طوال الشهر بقية الأعمال، بغض النظر عن القيمة الفنية التي تقدمها. وتبرز هنا أيضاً أزمة كتاب السيناريو، غير القادرين على بناء أحداث متماسكة ومتتابعة، ربما لضعف البحث التاريخي حول الموضوع مثلاً، أو عدم القدرة على نسج أحداث تسير في الاتجاه ذاته مع المسلسل .
لذلك لا بد من إعادة النظر في “الأعمال المطاطية”، واختصار المنافسة بحلقات متماسكة ومكثفة بدلاً من 30 حلقة معظمها تحت عنوان “الجمهور عايز كده”.
في المقابل، لم يراع العمل المسافة بين المناطق، فنحن نتكلم عن حقبة كان غالبية الأشخاص فيها يتنقلون سيراً على الأقدام، فكيف نرى مثلاً حبيبة عاصي السابقة التي تعمل في قصر الباشا، بعد لحظات من طعنه، في مخبئه السري لتطمئن عليه، أو كيف عرف شاب سمع بجائزة ذهبية لمن يقتل عاصي مكان المغارة التي يسكنها، علماً أن المسلسل يعرض لنا المسافات الطويلة التي تقطعها الشخصيات أحياناً للوصول إلى الأماكن التي تريدها، كالمستشفى في حمص مثلاً.
يعاني العمل العشوائية في التنقل بين الأمكنة، أو بين الأحداث من دون تمهيد.
جمالية الصورة
على عكس أعمال تعرض، يتمتع المسلسل بقوة إقناع في الأداء، ويبرز تيم حسن في دوره وإتقانه للهجة الساحلية وحركاته وإنفعالاته، وقد يكون سبباً أساسياً في متابعة الجمهور للعمل، لما يتمتع به من نجومية مفرطة أحياناً. كما تظهر شخصيته من خلال الحوارات أنه لديه خبرة في الحياة، بعدما قاتل مع جيش السلطان في بلدان أوروبية، واطلاعاً على أعمال نيتشه، لكن توظيف مقولات نيتشه بطريقة تهكمية في مشاهد باللهجة الساحلية لم يكن موفقاً.
ويبرز أيضاً أنس طيارة بدور الباشا، إذ يقدم دوراً جميلاً ومركباً. كما يبدو لافتاً ما يقدمه فايز قزق على رغم أنه مشبه إلى حد ما مع ما قدمه سابقاً، لكن حضوره يبقى طاغياً. في الغالب يتمتع الممثل السوري بحضور قوي، وتحضير لافت للشخصية التي يقدمها.
في سياق متصل يبدو واضحاً الجهد المبذول لتقديم صورة جديدة لهذا النوع من الأعمال، وعدم الاكتفاء بالمشاهد الداخلية والتركيز على البيئة، إذ تخرج كاميرا المخرج سامر البرقاوي إلى البادية السورية، فيعطينا كادرات جديدة وغير مكررة أو روتينية.
يتمتع العمل بجمالية مشهدية عبر تنويع الفريمات والإضاءة المدروسة والمعالجة الراقية للألوان والحركة الكاميرا التي كانت مكملة للأحداث، مع بعض المشاهد السينمائية.
عناصر لافتة وأداء قوي وصورة جميلة، إضافة إلى الأزياء المتقنة في العمل وديكور وملابس مناسبة للحقبة الزمنية سواء في حالي الفقر أو الغنى، وجمالية المشاهد المقدمة في القصور والمراكز الرسمية.
ويبدو لافتاً أيضاً الموسيقى التصويرية في العمل (آري جان سرحان) والأغاني التي تضمنها، بخاصة شارة المسلسل التي أدتها مها الحموي. وتخلل المسلسل كثيراً من أبيات العتابا التي تعتبر من تراث المنطقة الساحلية.
تشويق
من المشاهد التي يجب الوقوف عندها، مشهد “قتال النهر” في الحلقة الـ11 من المسلسل، تحديداً في الإخراج والتصوير والتنفيذ، وبدت الانفعالات مشابهة لما قدمه المخرج مارتن سكورسيزي في تحفته الفنية “عصابات نيويورك” عام 2002.
لكن يؤخذ على المخرج كثرة استعمال الحركة البطيئة، لكنه مشهد سيبقى طويلاً في أذهان المشاهدين، بخاصة في هذا النوع من الأعمال الذي لا تكون فيه مساحة الحرية كبيرة بالنسبة إلى المخرج. لكن البرقاوي، عرف كيف يوظف القتال في النهر، في مشهد ثأري، بلغة بصرية جميلة.
كما توقف الجمهور أيضاً عند مشهد سرقة البنك المركزي، وكثرة التعليقات الساخرة حول ذلك، إذ بدا المشهد نسخة من المسلسل الإسباني الشهيرLa Casa De Pappel ، التي تدور أحداثه داخل البنك المركزي، وكيفية خروج السارقين بزي موحد مع الهائن مرتديين زياً أحمر وأقنعه دالي.
هذا ما حصل تماماً مع تيم حسن ورفاقه، بعد سرقة البنك في الشام في تسعينيات القرن الـ19، بدلوا ملابسهم بملابس موظفي البنك، وخرجوا بعد انتهاء السرقة مرتديين الطرابيش كأن شيئاً لم يكن. (وكالات)
نسخ رابط الخبر: https://almoather.news/?p=1314