المؤثر الاخباري- لعقود، جادلت بأن الدولار الأمريكي سيحافظ على مكانته باعتباره العملة المهيمنة في الاقتصاد العالمي. ولا يزال الحال هكذا اليوم. فلا توجد عملة أخرى – مادية أو افتراضية – قادرة على أن تحل محل الدولار في مركز النظام النقدي الدولي.
لكن التأثير العالمي للدولار يواجه عديدا من التحديات غير الاقتصادية، رغم استمرار وضعه “العملة الاحتياطية” للعالم. وهذه إحدى النتائج المترتبة على نظام اقتصادي دولي متشظ على نحو متزايد، يحل فيه الأمن القومي والعوامل الجيوسياسية محل الاقتصاد في تشكيل التفاعلات الوطنية والدولية.
ببطء وثبات، سيتم دفع البلدان الآن نحو الاختيار بين مسارين متباينين بشكل لافت للنظر: التعاون بشكل أكبر لتعزيز التعددية وإطارها القائم على القواعد، أو تبني فك الارتباط الاقتصادي باعتباره أمرا حتميا لتخفيف المخاطر من قبل الدول الفردية.
الدور الذي يلعبه الدولار بوصفه عملة احتياطية كان مدعوما منذ فترة طويلة بثلاث سمات أمريكية: مكانته باعتباره عملة أضخم اقتصاد في العالم، وعمق واتساع أسواقه المالية، والقدرة على التنبؤ به، النابعة من النضج المؤسسي واحترام سيادة القانون.
عبر اعتماد الدولار وسيطا للتبادل ومخزنا للقيمة، حققت دول أخرى مكاسب كبيرة في الكفاءة، مع منح الولايات المتحدة القدرة على التمتع بما وصفه الرئيس الفرنسي الأسبق، فاليري جيسكار ديستان، في ستينيات القرن الـ20 بأنه “امتياز باهظ” – في الأساس، قوة أكبر لتبادل عملتها الخاصة بالسلع والخدمات من البلدان الأخرى، مع الوصول إلى مجموعة أكبر من التمويل منخفض التكلفة.
إنه جزء من عقد ضمني: تستفيد أمريكا مقابل إدارة النظام بشكل مسؤول. مع ذلك، تم تحدي الجانب الأخير من العقد في الأعوام الـ15 الماضية بسبب الأزمة المالية العالمية عام 2008 التي نشأت في الولايات المتحدة، وفرض التعرفات التجارية المفاجئ في عام 2017.
ومع أن الأحداث هزت هيمنة الدولار، إلا أنها لم تقوضه بشكل جوهري بسبب ما يمكن وصفه بـ”متلازمة أنظف القمصان القذرة”: قد لا يكون الدولار عملة احتياطية نظيفة، لكنه لا يزال يعد أنظف من أي عملة أخرى للعب هذا الدور.
على مدى العامين الماضيين، أصبح هذا الوضع أكثر تعقيدا بشكل ملحوظ بسبب سوء تعامل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي مع دورة رفع أسعار الفائدة والتركيز المتزايد على المرونة في الاستراتيجيات الاقتصادية والتجارية. وبدلا من السعي إلى الحلول محل الدولار بشكل مباشر، هناك الآن زيادة في الجهود الرامية إلى عزله في البنى التحتية للتجارة والدفع في العالم.
حافظت الصين على دورها القيادي في ذلك، وعززت المبادرات الرامية إلى إنشاء مؤسسات إقليمية وعالمية جديدة، وتوسيع استخدام عملتها الخاصة في المدفوعات الثنائية واتفاقيات الإقراض، وتجديد مبادرة الحزام والطريق.
لكن الصين ليست وحدها. لقد ساعدت العقوبات الصارمة المفروضة على روسيا في تحفيز اهتمام أكبر من الدول بالترتيبات التي تتجاوز الدولار. إضافة إلى ذلك، بدأ مزيد من الدول في إدراك إمكانية تقليل الاعتماد على العملة الأمريكية بمرور الوقت. إنها تنظر في كيفية إعادة روسيا توجيه تجارتها واستبدالها الدولار في كل من معاملات التصدير والاستيراد، وإن كان ذلك بطرق مرهقة ومكلفة.
في مواجهة هذه التطورات، أمام الولايات المتحدة وحلفائها خياران أساسيان. يمكنهم العمل بشكل جماعي لتجديد المؤسسات التعددية بطريقة شاملة تضمن القبول بما يشير إليها جاريد كوهين، من جولدمان ساكس، بـ”الدول الجيوسياسية المتأرجحة”. ويشمل ذلك تحديث حوكمة، وتمثيل، وعمليات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
أو يمكنها اختيار قبول التكاليف قصيرة الأجل والشكوك المقترنة بفك الارتباط اللازم لإزالة المخاطر بشكل صحيح. قد تبدو فكرة “إزالة المخاطر وليس فك الارتباط” التي قدمتها مجموعة السبع في نهاية الأسبوع الماضي جذابة، لكن من المرجح أن تؤدي إلى حل وسط غير مستقر بدلا من توازن جديد قابل للتطبيق.
من منظور اقتصادي، تعددية الأطراف الأكثر شمولا التي يدعمها نظام قوي قائم على القواعد توفر بلا شك فوائد أكبر مقارنة بالبدائل. رغم ذلك، من الواضح بشكل متزايد أن الاقتصاد لم يعد يمسك بزمام الأمور في قيادة عملية التجارة والتمويل الدولي. فقد كان هناك تحول جوهري في العلاقة بين الاقتصاد من ناحية، والقوى المشتركة للأمن القومي والسياسة والجيوسياسة من ناحية أخرى.
إنه انعكاس يشجع الآن على إزالة المخاطر والفصل بين سلاسل التوريد العابرة للحدود والمدفوعات العابرة للحدود، وهو انقلاب لا يستطيع النظام متعدد الأطراف، الضعيف، مواجهته بفعالية دون بذل جهد كبير جديد.
نسخ رابط الخبر: https://almoather.news/?p=5305