بقلم: مرح غيث
ها نحن نعيش فصلًا جديدًا من فصول المشهد البرلماني الأردني، بعد انتخاب مازن القاضي رئيسًا جديدًا لمجلس النواب، خلفًا لأحمد الصفدي، في لحظة سياسية تعكس أكثر من مجرد تغيير في الاسم… بل تغيير في المزاج العام، والتوقعات، وحتى الصبر الشعبي.
فمنذ أن أعلن انتخابه بالتزكية، دوّى السؤال في الشارع الأردني:
هل نحن أمام بداية مرحلة جديدة؟
أم أننا نعيد تدوير المشهد ذاته بوجوه مختلفة فقط؟
يُقال إن المجالس تُقاس بإنجازاتها، لا بأسمائها.
وإن القيادة لا تُختبر لحظة الانتخاب، بل بعد أن تغادر المنصة وتبدأ العمل الحقيقي.
الأردنيون اليوم لا يريدون خطابات مطلية بالوعود، بل يريدون مواقف حقيقية.
يريدون مجلسًا لا يكتفي بالتصفيق للحكومة، بل يصفق للشعب حين يطالب بحقه.
يريدون نائبًا يسمع وجعهم لا نشرة أخبار عن نفسه.
الشعب لم يعد يثق بسهولة. والناس باتت تعرف متى تكون الكلمات من القلب، ومتى تكون من وراء المايكروفون.
انتخاب مازن القاضي بالتزكية يعني أمرين:
الأول، أن هناك توافقًا سياسيًا وبرلمانيًا واسعًا حول شخصه.
والثاني – وهو الأخطر – أن عليه أن يُثبت أنه يستحق هذا الإجماع، لا أن يختبئ خلفه.
فالتزكية لا تعني الصمت، بل رفع السقف.
ولا تعني الراحة، بل المسؤولية المضاعفة.
على القاضي اليوم أن يبرهن أن البرلمان الأردني ما زال قادرًا على أن يكون ضمير الوطن، لا مجرد مؤسسة تمرّر القوانين دون روح.
الشارع يغلي تحت ضغوط الحياة اليومية:
أسعار ترتفع، وظائف تقل، وشباب يبحث عن فرصة أو كرامة.
في المقابل، ما زالت قاعات المجلس تشهد أحيانًا جدالات جانبية، ومناكفات لا تُشبع جائعًا، ولا تبني وطنًا.
لقد حان الوقت لأن يتحول المجلس من مسرح خطابات إلى مركز قرارات.
مازن القاضي أمام امتحان التاريخ، لا امتحان البروتوكول.
فإما أن يكون عنوانًا لمرحلة جديدة من الصراحة والمحاسبة والجرأة،
وإما أن يُضاف اسمه إلى قائمة طويلة من الرؤساء الذين مرّوا مرور الكرام.
إن أخطر ما يواجه أي مؤسسة سياسية هو فقدان الثقة.
والمواطن الأردني، رغم حبه لوطنه ووفائه، يشعر أن صوته يُسمع فقط عند الانتخابات، ثم يختفي في ضجيج القرارات.
اليوم، أمام الرئيس الجديد فرصة نادرة لإعادة هذه الثقة.
أن يعيد للمجلس هيبته، وأن يفتح أبوابه وملفاته أمام الناس، لا أن يغلقها باسم “السياسة”.
أن يتحدث باسمهم، لا عنهم.
أن يجعل من البرلمان منبرًا لا مرقدًا.
لسنا بحاجة إلى رئيس جديد فقط، بل إلى نهج جديد.
لسنا بحاجة إلى كلمات، بل إلى موقف واحد صادق يُعيد للمجلس بريقه وللوطن أمله.
مازن القاضي اليوم لا يمثل نفسه، بل يمثل صورة البرلمان في عيون الأردنيين.
وإذا استطاع أن يُثبت أن السلطة التشريعية قادرة على أن تكون سلطة حقيقية، فسيكتب التاريخ اسمه بحروف من ذهب.
أما إن اكتفى بالشعارات، فسيطويه التاريخ كما طوى غيره.
الكرة الآن في ملعبك، يا دولة الرئيس.
والشعب… يراقب.
نسخ رابط الخبر: https://almoather.news/?p=61195

